هذا تقرير أولي عن الإنتخابات التكميلية بولاية جنوب كردفان أصدره المنبر السوداني (شمس) وهو مظلة تضم ( 36 ) منظمة مجتمع مدني ومركز ثقافي وبحثي واكاديمي ناشط في مجال التعليم المدني والإنتخابي .
قام المنبر بنشر راصدين و مراقبين في عينة عشوائية لعدد ثمانية دوائر جغرافية وتضم عدد (24) مركز إنتخابي (تمثل تسعة محليات بولاية جنوب كردفان ) لرصد ومراقبة العملية الإنتخابية في جميع مراحلها مواصلة لدوره في مراقبة الإنتخابات العامة بالسودان بهدف تكوين صورة عامة وتقديم ملاحظات تُسهم في تطوير التجربة الإنتخابية الديمقراطية السودانية في المستقبل .
يحتوي هذا التقرير المبدئي علي ملاحظات أولية حول الإنتخابات التكميلية بولاية جنوب كردفان في ضوء التقارير الميدانية للمنبر (شمس) .
تكتسب ولاية جنوب كردفان خصوصية عن المناطق الإنتخابية في بقية السودان، فهي منطقة تداخل قبلي و ديني، بالاضافة الي اهميتها الاقتصادية ، كما ظلت جزء هام ضمن التدابير التي أسستها إتفاقية السلام الشامل، بأن خصصت لها إتفاقية خاصية، عرفت بإتفاقية (حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان- جبال النوبة و النيل الأزرق)، و التي تم التوقيع في نيفاشا، في 26 مايو 2004.
ظلت كل تلك العوامل بجانب عمليات التصعيد السياسي المتبادل سبباً في إضفاء أهمية خاصة لمنطقة جنوب كردفان في سياق الإختيار الديمقراطي للوالي و الهيئة التشريعية الولائية.
لتلك الأهمية، ظل الفاعلين السياسيين في المنطقة، لا سيما طرفي إتفاق السلام، الحركة الشعبية و المؤتمر الوطني، يمارسون سياسة تحشيد الارادة السياسية والاجتماعية ، مستندين في ذلك أيدولوجية تغلب عليها النزعة العنصرية و القبلية و الدينية، دون اتاحة المجال للتفاعل الجماهيري الديمقراطي السلمي.
اولاً: تحليل البيئة التشريعية:
المنبر السوداني (شمس) يري أن اي عملية تقييم للبيئة التشريعية للإنتخابات التكميلية بولاية جنوب كردفان يجب أن تأخذ بعين الإعتبار اللازم أن عملية إنتاج القوانين في الفترة الإنتقالية 2005 – 2011، ظل يشوبها العديد من التعقيد السياسي، بل أن بعض القوانين صدرت بموجب الأغلبية الميكانيكية لحزب الأغلبية، حزب المؤتمر الوطني الحاكم، مما جعل العملية الديمقراطية المتوخاة في إنتاج التشريعات غائبة في بعض الأحوال. إن عملية إصدار القوانين ذات الصلة بالحريات العامة، مثل قانون الصحافة و المطبوعات وقانون الأمن الوطني، و أيضاً قانون الإنتخابات القومية كلها مرت بمنعطفات و سجال سياسي و تشريعي ، كانت في بعض أحوالها مهدداً حقيقياً لمسيرة التطور الديمقراطي في السودان. و شملت تلك التعقيدات كل القوانين المنظمة للحقوق و الحريات و الممهدة للتحول الديمقراطي في السودان ، و قد ناقش هذا الأمر بتفصيل وافي تقرير منبر شمس لمراقبة الإنتخابات القومية 2010
ثانياً: البيئة السياسية:
ضمن إطار رئاسة الجمهورية، إتفق كل من حزب المؤتمر الوطني الحاكم و حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان ، على أن يتم تأجيل الإنتخابات في ولاية جنوب كردفان.
المنبر (شمس) يري أن هذا التأجيل هو تعبير عن فشل الشريكين في تطبيق جوانب مهمة في إتفاقية السلام الشامل مما أسهم في تعقيد البيئة السياسية ، وتشمل هذه الجوانب مايلي :
- لم يتم إنشاء وتفعيل آليات للمصالحة الوطنية بصفة عامة وفي ولاية جنوب كردفان كإحدي الولايات المتأثرة بالحرب.
- لم تتم إدارة عملية الإحصاء السكاني بالولاية بكفاءة وشفافية
- لم يتم إنجاز العملية الإنتخابية بالولاية في وقتها المناسب بما يتناسب مع متطلبات المشورة الشعبية وجدول تطبيق إتفاقية السلام الشامل .
وزاد من تعقيد الوضع مايلي :
- نتائج إستفتاء جنوب السودان وتحديات إنتقال السودان من دولة الي دولتين .
- موقع الولاية الجغرافي كولاية حدودية بين شمال وجنوب السودان
- تعثر الوصول لإتفاق سياسي بشأن القضايا العالقة بين الشريكين .
- إرتباط الولاية بقضية ابيي المُتنازع حولها .
كل ذلك أدي الي حالة إستقطاب سياسي حادة صاحبت العملية الإنتخابية بالولاية وقد وثق منبر شمس أهم مظاهرها في التالي :
- حالات العنف السياسي المصاحب للعملية الإنتخابية خاصة في فترة الحملة الإنتخابية التي شهدت العديد من التشنجات السياسية و التوترات الأمنية، حتى أصبحت الإنتخابات، في حد ذاتها عملية مهددة للسلام الإجتماعي و الإستقرار في الولاية ، تطور الأمر بصورته تلك للدرجة التي شهدت تحشيدات عسكرية في صفوف طرفي إتفاقية السلام الشامل، ووصول رئيس الجمهورية و رئيس المؤتمر الوطني في زيه العسكري الكامل معلناً البعد العسكري في المواجهة بين الحزبين المتنافسين، و كما راجت أخبار إحتمال إغتيال رئيس الحركة الشعبية و رئيس حكومة الجنوب في حال قدومه الى جنوب كردفان ضمن الحملة الإنتخابية لمرشح الحركة الشعبية لمنصب الوالي.
- شهدت العملية الإنتخابية مشاركة ضعيفة من أحزاب سياسية كان لها مشاركة فاعلة في انتخابات 1986م ، وقد أسهم قانون الأمن الوطني لسنة 2009 بشكل جوهري وأساسي في تقييد والحد من الحريات السياسية .
- حالات الاعتقال السياسي وقد كان أبرز المعتقلين هو المرشح المستقل لمنصب الوالي، تلفون كوكو ، و المعتقل بسجون حكومة جنوب السودان لخلافات داخل حزب الحركة الشعبية بحسب ما صرح مستشاره القانوني.
- شيوع المظاهر العسكرية حول مراكز الاقتراع التي رصدها مراقبو المنبر .
ثالثاً : حول تخطيط وإدارة العملية الانتخابية :
قام المنبر (شمس) برصد أداء المفوضية القومية للإنتخابات ولجنتها العليا بالولاية وقد وثق المنبر بصورة عامة التعاون الملحوظ من موظفي الإنتخابات وحسن تصرفهم وبالمقابل يري المنبر أن هناك نواقص واخطاء فنية في عدد من الجوانب نوجزها في التالي :
- عدم توزيع المراكز الإنتخابية بصورة تجعل وصول الناخبين اليها سهلاً وسلساً.
- المراكز الإنتخابية لم تكن مهيأة بالصورة اللازمة وهناك نواقص عديدة خاصة في الجوانب التالية : ( اماكن الجلوس والظل - دورات المياه - الاسعافات الأولية).
وعن مدي ادماج النوع الاجتماعي في ادارة العملية الانتخابية لم نجد أي امراة كرئيسة مركز في المراكز التي راقبها المنبر بينما سجلنا مشاركة المراة كرئيسة نقطة اقتراع باعتبارها مشاركة ضعيفة تمثل 8% بالمراكز التي راقبها المنبر .
رابعاً : الخلاصة
المنبر واستناداً علي عملية تقييم اولي لتقارير ميدانية عن العملية الانتخابية يري أن المفوضية القومية للانتخابات قد حاولت مطابقة الاجراءات من الناحية الفنية للمعايير الدولية لكنها افتقدت الارادة اللازمة و لم تستفد من دروس الانتخابات العامة 2010 في ادارة العملية الانتخابية في بيئة سياسية شائهة ونظام قانوني قاصر عن حماية نزاهة الانتخابات ، وعليه يصبح من الصعب الوثوق في نزاهة اجراءات العملية الانتخابية وبالتالي في النتائج المترتبة عليها ، وسيقدم المنبر في تقريره النهائي تفصيل عن ذلك بينما سيجمل ملاحظاته عن مدي ادماج النوع الاجتماعي في العملية الانتخابية في تقرير منفصل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق